أبواب في سور حياتنا

door, lock, pierre-8661368.jpg

في أيام نحميا بُنيَ السور ورُمِّمت أبوابه، وكم من الدروس والتطبيقات الروحية التي لنا في هذا، إذا كنا فعلاً نبغي الانفصال لله، لنختبر ونحيا حياة القوة الروحية. فقد ننشغل ببناء حياة الآخرين ونخدمهم وننسى حياتنا، فينطبق علينا ما ذكرته عروس النشيد «جعلوني ناطورة الكروم. وأما كرمي فلم أنطره» (نش1: 6). لكن لو وضعنا أنفسنا تحت سلطان الله وكلمته، فإن حياتنا ستتوافق مع الكلمة مما يؤدي إلى بركة حياتنا وبركة خدمتنا «لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك، لأنك إذا فعلت هذا، تُخلِّص نفسك والذين يسمعونك أيضًا» (1تي4: 16).

في سفر نحميا تم بناء السور وبه اثنا عشر بابًا (نح3، 8: 16، 12: 39).

وهو الباب الذي كانت تُدْخَل منه الذبائح، وهو يقودنا إلى ذبيحة المسيح الكاملة على الصليب والفداء بالدم، الأساس الذي عليه نقترب إلى الله «بالإيمان» «الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا» (أف1: 7). وقد قال الرب عن نفسه: «أنا هو الباب. إن دخل بي أحدٌ فيخلُص ويدخل ويخرج ويجد مرعى» (يو10: 9). قاريء العزيز قبل أن نكمل بقية الأبواب هل حدث وتقابلت مع الرب عند صليب المسيح

وهو يأتي بعد باب الضأن في الترتيب، وإن كان يُذكِّرنا بحالتنا قبل الإيمان حيث كنا في بحر العالم وأوحال الخطية، لكن شبكة النعمة افتقدتنا وانتشلتنا وأقامت على صخرة أرجلنا. وإذ نتذكَّر هذا، فإننا نشعر بعظمة الرب وعظمة خلاصه الذي وصل إلينا، وغلاوة النفوس على قلبه، فنتذكر ما قاله لسمعان: «من الآن تكون تصطاد الناس» (لو5: 10)، والله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح هو الذي وضع فينا كلمة المصالحة «إذًا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله» (2كو5: 18-20) ليتنا ونحن نتجه للخطاة لا ننسى أننا كنا خطاة فليتنا لا نستنكف ولا نتعال على أي خاطيء أيًا كانت درجة بعده عن الرب.

يكلِّمنا عن أزليّة إلهنا، فهو القديم الأيام (دا 7: 9)، وفي هذا يصوِّره يوحنا لنا «وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج» (رؤ1: 14)، ولكن عروس النشيد تصفه بالقول: «رأسه ذهبٌ إبريزٌ، قُصصهُ مُسترسلةٌ حالكةٌ كالغراب» (نش5: 10)، فهو وإن كان القديم الأيام إلا أن الزمن لا يؤثر فيه أو عليه، لا يتغيَّر، ﻓـ «يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد» (عب13: 8)، وهو «الإله القديم لنا ملجأ» (تث33: 27).  ونحن لسنا أول مَنْ يتكل علي قوة ذراعه أو يتمتع بمحبته، «عليك اتَّكل آباؤنا. اتكلوا فنجَّيتهم» (مز4:22)، هو لا يوضع تحت الفحص أو الامتحان! إنه «إله أمانة لا جور فيه. صِدِّيقٌ وعادلٌ هُوَ» (تث32: 4)، فجديرٌ بنا أن نتكل عليه ونثق فيه. والباب القديم يكلِّمنا أيضًا عن السُّبل القديمة (أي التمسك بالمباديء الكتابية القديمة الجديدة دائمًا)، وفي هذا يكتب الرسول بولس «مبنيين على أساس الرُّسُل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجرُ الزاوية» (أف2: 20).

الوادي هو مكان منخفض ويتكلَّم عن الاتضاع، ويحرِّضنا الكتاب على أن نتسربل به في حياتنا (1بط5: 5).

ما أجمل التواضع كسلوك وفضيلة، نتعلَّمه من الرب نفسه، الذي قال: «وتعلَّموا مني، لأني وديعٌ ومتواضعُ القلب» (مت11: 29)، والتواضع الحقيقي وليس الشكلي هو الذي يجعل الله في صفنا وإلى جانبنا «لأنه هكذا قال العلي المُرتفع، ساكن الأبد، القدُّوس اسمه: في الموضع المرتفع المقدَّس أسكن، ومع المنسحق والمتواضع الروح …» (إش57: 15)، والتواضع يجلب تعزية الله وقوة الله لنا: فهو يُعزِّي المتضعين (2كو7: 6)، ويرفعهم «فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه» (1بط5: 6).

والرب يكافئ التواضع «ثوابُ التواضع ومخافة الرب هو غنىً وكرامةٌ وحياةٌ» (أم22: 4). وحتى منسَّى، الملك الشِّرير، وهو في شرَّه «طلب وجه الرب إلهه، وتواضع جدًا أمام إله آبائه، وصلَّى إليه فاستجاب له وسمع تضرُّعه» (2أخ12:33 ،13).

بدأ الكثيرون حياتهم باتضاع، شاعرين بفضل نعمة الله عليهم، ولكن سُرعان ما ارتفع قلبهم وتكبروا.  وإن كان الله يُحب التواضع فإنه يمقت الكبرياء «الله يقاوم المُستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمةً» (1بط5: 5). وليس أدل على ذلك من حزقيَّا الملك، الذي في اتضاعه أمام الرب أكرمه الله كثيرًا حتى إنه عندما طلب الرب في مرضه، الذي كان للموت، أضاف الرب إلى عمره خمسة عشر عامًا «ولكن لم يَرُدَّ حزقيَّا حسبما أنعم عليه لأن قلبه ارتفع، فكان غضبٌ عليه» (2أخ24:32 ،25؛ إش38، 39).

ليتنا نتحلى بالتواضع ولا ننشغل بأنفسنا كثيرًا أو قليلاً، وكما قال أحدهم: ’’ليس الاتضاع  أن نتكلَّم عن أنفسنا رديئًا، فنفوسنا لا تستحق التفكير على الإطلاق، فالاتضاع هو إنكار النفس وعدم المشغولية بها حسنًا أو حتى رديئًا‘‘.

وهذا الباب كانت تُفرغ منه النفايات والبقايا التي تسبب التلوث، حيث كانت تُجمع من البيوت لكي تظل المدينة نظيفة ولا تتفشى فيها الأمراض والأوبئة.

ونحن إن لم نمتحن أنفسنا، ونعترف بخطايانا أولاً بأولٍ ونتوب عنها، ونغتسل من قاذورات الطريق، فستظهر رائحة الجسد النتنة وأعماله البغيضة، ويحزن الروح القدس فينا وننفصل أدبيًا عن الله ’’مصدر القوة‘‘ ويدب الضعف في أوصالنا، وتذبل حياتنا.  ليحفظنا الرب من حالةٍ كهذه! ونتخلَّص من النفايات أولاً بأول، ولتكن طلبتنا «السَّهوات مَنْ يشعر بها؟ ومن الخطايا المستترة أبرئني. أيضًا من المُتكبِّرين (الخطايا الكبيرة) احفظ عبدك فلا يتسلَّطوا عليَّ» (مز12:19 ،13).  ولنتحلَّ باستمرار بهذه الروح: «اختبرني يا الله واعرف قلبي. امتحنِّي واعرف أفكاري. وانظر إن كان فيَّ طريقٌ باطلٌ، واهدني طريقًا أبديًا» (مز23:139 ،24).

من جهة أخرى ليكن حسابنا نحن أيضًا مثل بولس: أنه أمام امتياز معرفتنا للرب، فلتسقط كل الامتيازات الأخرى، دينية كانت أم دنيوية «لكن ما  كان لي ربحًا، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إني أحسب كل شيءٍ أيضًا خسارةً من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نُفايةً لكي أربح المسيح، وأُوجد فيه» (في3: 7-9). 

وباب العين يكلِّمنا عن الروح القدس (راجع يوحنا 7: )، الذي يسكن في جميع المؤمنين من لحظة الإيمان الحقيقي «الذي فيه أيضًا إذ آمنتمْ خُتمتم بروح الموعد القدُّوس» (أف1: 13)، وإلى يوم الفداء (أف30:4). ومع أن الروح القدس يسكن في كل المؤمنين وسُكناه مستمرة فيهم، لكن يُثار التساؤل: ’’لماذا نرى الروح القدس عاملاً بقوة في مؤمنٍ، بينما عمله ضعيفًا أو مُعطَّلاً في مُؤمنٍ آخر؟!‘‘ والإجابة: هي أن الروح القدس يعمل فينا بقوة عندما نعطي له المجال في حياتنا بأن لا نُحزنه بفعلنا للشَّر (أف30:4)، ولا نُطفئه بعدم طاعتنا له (1تس5: 19) بل نترك له الفرصة لكي يسود على حياتنا وأفكارنا وإرادتنا ويوجهنا إلى ما يمجد الرب دائمًا.

والماء إشارة لكلمة الله أيضًا، التي بها وُلدنا ثانيةً بعمل الروح القدس «شاء فولدنا بكلمة الحق”» (يع1: 18- انظر 1بط1: 23) وهي نافعة لكل شئ ﻓـ: «كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافعٌ للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البرِّ، لكي يكون إنسانُ الله كاملاً، متأهبًا لكل عملٍ صالحٍ» (2تى3: 16). وعليها نتغذَّى، فهي اللبن العقلي العديم الغش للمولودين حديثا من الله (1بط2: 2)، والطعام القوي للبالغين (عب5: 14)، وهي العامل القوي لحفظنا من الزلل «خَبَأتُ كلامك في قلبي لكيلا أُخطئ إليك» (مز119: 11)، وهي التي تخلص نفوسنا من مزالق الطريق الكثيرة متى غُرست في القلب «فاقبلوا بوداعةٍ الكلمة المغروسةَ القادرةَ أن تُخلِّصَ نفوسكم» (يع1: 21). وبها نصير أقوياء ونغلب الشِّرير (1يو2: 14). فهل نجلس أمامها بهدوء يوميًا ونعطها حقها الواجب ومجالها في حياتنا!

الخيل تُستخدم في الحروب «الفرس مُعدٌ ليوم الحرب، أما النُصرة فمن الرب» (أم21: 31)، فهذا الباب يُكلِّمنا عن الحرب الروحية، ونحن في حالة حرب دائمة، وإبليس يشن حروبه المتكررة ضدنا، لكن لنا أن نتقوَّى في الرب وفي شدة قوَّته، ولنا أن نتسلَّح بسلاح الله الكامل (أف10:6-20).

ليتنا نوجد في حالة التسلح والاستعداد الدائم للحرب كالفرس المستعد للحرب، «لأن إبليس خصمكم كأسدٍ زائرٍ، يجول مُلتمسًا مَنْ يبتلعهُ هُوَ» (1بط5: 8)، فالحياة الروحية ليست سهلة بل تتطلب السهر المستمر واليقظة الدائمة.

الشرق في كلمة الله يشير عادةً إلى مكان العاصي، حيث طرد آدم، وإلى مكان الشِّرير قاتل أخيه، حيث سكن قايين بعد أن خرج من لدن الرب، وإلى مكان المُتمردين على الله الذين أرادوا أن يبنوا برجًا رأسه بالسماء وهكذا (تك3: 24، 4: 16، 11: 2).

والجميل أن هذا الباب هو الوحيد في الأبواب الذي يُذكر اسم حارسه، وهو شمعيا، ويعني ’’يهوه يسمع‘‘، فهو الذي يصغي ويستجيب لطلباتنا، ولعل هذا يذكرنا بطلبة يعبيص «وتحفظني من الشَّر حتى لا يتعبني. فأتاه الله بما سأل» (1أخ4: 10)، بن شكنيا ويعنى ’’يهوه ساكن‘‘، وماذا يُحفِّزنا على حياة القداسة، «التي بدونها لن يرى أحد الرب» أكثر من سُكنى الله فينا؟ فنحن هيكل الله وروح الله يسكن فينا (1كو3: 16). 

لكن من الناحية الأخرى، يذكرنا الشرق بشروق الشمس، الذي منه يُرَى أول ضوءٍ للنهار الذي يُبدِّد الظلمة، أنه يكلِّمنا عن مجيء ربنا يسوع المسيح «كوكب الصبح المُنير» (رؤ22: 16)، الحافز الأكبر لنحيا حياة القداسة «وكل مَنْ عنده هذا الرجاء به، يُطهِّر نفسه كما هو طاهرٌ» (1يو3: 3).

وتعني ’’فحص، عد، مُعاينة‘‘.  كانت تمر منه الجيوش العائدة من الحرب، وكان الملك يقف به ليعطي نظرة تقدير للجنود العائدين بالنصر مُكافئا إيَّاهم. وهذا الباب يُكلِّمنا عن الوقوف أمام كرسي المسيح للمُكافأة، لا بنظرة تقدير ولا بطوق من الورود التي تذبل وتفنى بعد قليل، بل بالأكاليل العظيمة والثمينة مثل إكليل: البر (2تي4: 6-8)؛ الحياة (يع1: 12)؛ المجد (1بط5: 1-4).

يكلمنا هذا الباب عن الإثمار، فمعنى أفرايم الأثمار المُضاعفة لذلك دعا يوسف ابنه الثاني أفرايم قائلاً: «لأن الله جعلني مثمرًا في أرض مذلَّتي» (تك41: 52)، ليتنا نحرص نحن أيضًا أن نكون مُثمرين في حياتنا ليتمجَّد الرب، ولكي يرى فينا من تعب نفسه ويشبع.  لقد قال الرب للتلاميذ: «بهذا يتمجَّد أبي: أن تأتوا بثمرٍ كثيرٍ فتكونون تلاميذي» وأيضًا قال: «أنا أخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمرٍ، ويدوم ثمركم» (يو15: 8و 16).

ستظل نفوسنا في حبس سجن هذا الجسد بكل أمراضه وأتعابه وشهواته، إلى أن يحررنا الرب منه، سواء بالانطلاق، «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا» (في1: 23)، أو مجيء الرب لفداء الأجساد، «أنا آتي سريعًا. آمين. تعال أيها الرب يسوع» (رؤ22: 20). 

ولكن من الناحية الأخرى، فإن السجن هو المصير الحتمي والدائم لكل مَنْ يرفض أن يحتمي في فُلك النجاة الحقيقي «ربنا يسوع المسيح» فالأرواح، التي عصت قديمًا، ولم تقبل الكرازة في أيام نوح، هي الآن في السجن (1بط19:3 ،20).

ليتنا نتشجَّع ونبني ما انهدم من سور حياتنا، ونرمِّم أبواب البركة، ونشتاق إلى مجيء الرب الذي سوف يُحرِّرنا من الجسد، ونحرص على أن نُغلق تمامًا الأبواب التي تأتي لنا بالمتاعب والضعف الروحي مثل باب الشهوة، باب محبة العالم، باب محبة المال، باب الغنى، باب حب الامتلاك، باب الثعالب الصغيرة … إلى غير ذلك من الأبواب التي على هذه الشاكلة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top