الاحتمال

هو الاستمرار تحت ثقل دون تقهقر أو خوار في العزيمة وهي ذات المعاني لكلمة صبر، وكم نحتاج لكلمة التشجيع على الصبر والاحتمال في زمن كثرت فيه الصعوبات، فكل واحد سمحت حكمة الله في حياته بوجود بعض الأثقال التي ينوء تحتها كالمثقل العاني ومن خلال كلمة الله نجد هناك بعض الأمور التي توصينا كلمة الله باحتمالها:

فلأننا نعيش مع بشر لهم شخصياتهم وطباعهم المختلفة، فوارد أن يجرحونا بقصد أو بدون قصد ونتألم إزاء جروحاتهم لنا، لهذا يعوزنا التسلح بنية الاحتمال. في أفسس 4 وفي الأصحاح الذي يتكلم فيه عن الجروح والإساءات التي يجب علينا أن نظهر المسامحة تجاهها، يسبق بالقول:”محتملين بعضكم بعضًا” (أفسس4: 2).  وما من شك أن قارئي العزيز واجه في حياته شخصيات صعبة متعبة،لم يكن يتمنى في يوم من الأيام أن يكون له  تعامل معها، لكن هذه الشخصيات التي لا تروق لنا مطلوب منا أن نصلى لأجلها،ليس ليغيرهم الرب فقط، بل لكي يغيرنا نحن أيضًا، فالمشكلة تكمن في أحشائنا الضيقة وليست المشكلة في شخصياتهم الصعبة وهذا ما قاله بولس لإخوة كورنثوس: “لستم متضيقين فينا بل متضيقين في أحشائكم” (2كورنثوس6: 12) والمثال التوضيحي على ذلك موسى، الذي في غضبه قتل المصري، عندما رآه يضرب أخاه العبراني، موسى نفسه الذي قال عنه الكتاب: ” و أما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض” (عدد12: 12).فبالشركة مع الرب مدة 40 سنة، عمل الرب في أحشائه، فصار يصلح لاحتمال عوائد الشعب ورقابهم الصعبة.

“لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله يحتمل أحزانًا متألما بالظلم” (1بط2: 19).كل من جرب الظلم، شعر بوطأته على نفسه، ويوسف من هذه الشخصيات التي ظلمت،وسطر عنه الكتاب: “آذوا بالقيد رجليه في الحديد دخلت نفسه” (مزمور105: 18). وكان السجن بكل أتعابه على يوسف أهون عليه من وطأة الشعور بالظلم. فالسجن من الممكن احتماله وكما يقول المرنم: “به يمسى روضًا محاسنه” وهذا ما اختبره بولس أيضًا عندما أوصى بالفرح وكتب هذا وهو في السجن، لكن الشعور بالظلم ما أثقله، فإن لم يتحل المؤمن إزاءه  بالاحتمال قد يثور وقد يغضب وقد يرد الإساءة بمثلها وربما أكثر، لكن الاحتمال عادة يسبقه تسليم الأمر بين يدي الرب تشبهًا بالرب الذي كان يسلم لمن يقضي بعدل . أخي..ربما يُسلب حقك ربما تُطلق عليك الشائعات، ربما تتطاول عليك الألسنة دون ذنب. تذكر الرب الذي قيل عنه: “إذ شُتم لم يشتم عوضًا وإذ تألم لم يكن يُهدد” ( 1بط2: 23) ومع ذلك ظُلم وتحمل الظلم، ففي مشاهد محاكماته تهمًا ظالمة ومع ذلك ظل ساكتًا، فتمت فيه النبوة “ظلم أما هو فتذلل و لم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه” (إش53: 7).ونحن مدعوون لنتبع خطوات الرب في احتمال الظلم.

“فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح” (2تي2: 3).  خدمة الرب ليست مجالاً للترفيه، لكنها مجال للتعب والتضحية بل ولاحتمال المشقة وهذا ما صححه الرب للشخص الذي طلب أن يتبعه بالقول:  “فقال له يسوع للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه” (متى8: 20).  فأراد أن يقول له:  قبل أن تضع يدك على المحراث قم بحساب النفقة، فطريق الخدمة هو طريق التضحية حتى بالحقوق الطبيعية والراحة الجسدية،ولنا في بولس الذي أوصى تيموثاوس باحتمال المشقات نموذج وقدوة في ذلك  “… في الأتعاب أكثر في الضربات أوفر في السجون أكثر في الميتات مرارًا كثيرة.  من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة.  ثلاث مرات ضربت بالعصي، مرة رجمت، ثلاث مرات انكسرت بي السفينة، ليلا و نهارا قضيت في العمق.  بأسفار مرارًا كثيرة بأخطار سيول بأخطار لصوص، بأخطار من جنسي، بأخطارمن الأمم بأخطار في المدينة بأخطار في البرية، بأخطار في البحر، بأخطار من إخوة كذبة.  في تعب و كد في أسهار مرارًا كثيرة في جوع و عطش في أصوام مرارًا كثيرة في برد و عري” (2كو11: 23-27).  وسيدنا المعبود الخادم الحقيقي كان مثالاً للخادم التاعب، فلا ننس المرة التي نام فيها في مؤخرة السفينة ورغم الصراخ ورغم صوت الرياح والموج لم يستيقظ إلا عندما أيقظه التلاميذ، فإن كان هذا ينمعلى أنه كان مجهدًا تاعبًا!يا مَنْ تخدم الرب: تحمل أتعاب الخدمة ومشقاتها، فسيأتي وقت تُكأفا لا على ثمر الخدمة، بل على تعبها “…عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب ” ( 1كو15: 58 ).

“فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم” (عبرانيين 12: 3). لقي الرب مقاومة من اللصين اللذين صلبا بجواره وكانا يعيرانه ومن الذين كانوا أسفل الصليب الذين كانوا: يقولون له خلص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها لينقذه إن كان يُسر به، لكن مع كل ذلك صمد أمام كل الكلمات الصعبة المفشلة دون أن تنثني عزيمته. وماذا عنك عزيزي القارئ؟ قد تُعاني المفشلات من غير المؤمنين أو حتى من أقرب الناس إليك، أو عائلتك، أو حتى بعض المؤمنين. لا تفشل،”لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل القوة والمحبة والنصح”،استمر سائرًا عكس التيار، فنحن مدعوون للتشبه بالرب في زمن نواجه فيه تحديات الإيمان كل يوم ونتعرض لضغوط المعيشة وفق مبادئ العالم .

  1. تفكر في الرب (عب12: 3):إن تفكيرنا في أن الرب سبق ومر في ذات الظروف بل وأصعب وصمد، يجعلنا لا نفشل ولا نخور في نفوسنا.
  2. العلاقة السرية مع الرب: من خلالها تتقوى عزيمتنا الداخلية ونتشدد بالرب إلهنا،  فعندما انقلب الكل على داود حتى رجالهمَنْ أعلنوا ولاءهم له في وقت مطاردته،قالوا برجمه، لكنه كان يشجع نفسه بالعلاقة مع الرب وكأنه يقول: حتى ولو الكل تخلى عني، لكن الرب معي” (1صم30)..
  3. ملقين كل الهموم عليه: “ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم” (1بط5: 7). فالرب يحملنا ويحمل أتعابنا سواء استودعناه أتعابنا أم لا، هو يعتني بها، لكننا نمتليء بالسلام عندما نلقى عليه ما يسبب لنا حملاً، لأنه هو يحمله.
  4. مجيء الرب القريب: “فتأنوا أيها الإخوة إلى مجيء الرب” (يعقوب 5: 8). فما يملأنا بالحلم ويجعل حلمنا معروفًا عند جميع الناس هو قرب مجيء الرب، حيث في مجيئه لن نأخذ معنا دمعة واحدة ولا مشكلة واحدة ولا احتياجًا واحدًا، سنترك الأرض بأتعابها، ونقول لأنفسنا: “خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا” (رو13: 11)،فنتحمل بصر ما تبقى لنا من ألم، عالمين أن زمن الضيقة زمان محدود مهما حزنه وليله يسود،فسحابة المتاعب تغيب، ليتنا من قلوبنا نقول: “آمين. تعال أيها الرب يسوع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top