اعتذار فى ميدان عام

silhouette, apologize, sorry-3130566.jpg

طالعتنا وسائل الإعلام المسموعة في الفترة الأخيرة بقيام د. أحمد لطفي جراح تجميل بالاعتذار لزوجته الفنانة وفاء عمر في إعلان مدفوع الأجر لمدة يومين على لوحة إعلانات ضوئية في أكبر الميادين العامة وهو ميدان جامعة الدول العربية وتعود القصة إلى وجود بعض المشاكل بينهم وصلت إلى قاعات المحاكم بعد فشل محاولات الوسطاء والتى بدلاً من أن تقرب بينهم قادتهم إلى مكان – بشهادة كلا الزوجين- ما كانا يتمنيان أن يصلا إليه وهو المحاكم.

ومن حرص د. أحمد على استمرارية العلاقة وحرصه على ابنه ثمرة هذه العلاقة، قام بتصرف ظهر فيه الكثير من الشجاعة بأن اعتذر لزوجته بهذه الطريقة الفريدة، اعتذار في لوحة إعلانات كتب فيها بجوار صورة زوجته/

أحمد لطفي: بأعتذر لزوجتي الحبيبة الفنانة وفاء عمر بحبك. زوجك.

ومن هذا الموقف نستخلص بعد الدروس:

هناك البعض – رغم اعترافهم الداخلي بخطأ موقفهم-  الذين يفتقرون إلى شجاعة الاعتذار لسبب أن الأنا قوية عندهم، فتجعلهم يظنون أن هذا يقلل منهم ويتجاهلون أن هذه الخطوة هي أولى الخطوات في إصلاح العلاقات التي تصدعت. وآخرون يدفعهم الغرور إلى الاستعلاء عن الاعتذار، ويتجاهلون أن الكتاب ربط غفراننا للآخرين ورد شركتنا معهم بالتوبة عن التصرفات التي جرحتهم “وإن تاب فاغفر له” (لو 17: 3)، خلاف أنه إن أتى من أساء إلينا واعتذر،كانت المغفرة أسهل.

لقد نمونا على نهج أن الاعتذار يقلل من قيمة ومكان الزوج ولا سيما لزوجته فنادرًا في مجتمعنا الشرقي ما نجد اعتذار زوج لزوجته مع أن العكس قد يحدث كثيرًا ، لكنها سمة نضوج من د. أحمد، الاعتذار وأمام المجتمع وقد عرضه ذلك وهذا ما قاله في إحدى الحوارات، للإهانة من قِبل بعض النوعيات بالمجتمع التي ترى أن هذا التصرف فيه إنقاص للرجولة.

هناك من يخطئ علانية ويريد أن يعتذر سرًا وهذا يوافق المثل “ضربني في الشارع ويعتذر لي في حارة”، وهناك مَنْ يعتذر اعتذارًا صوريًا فيه الكثير من التعالي والتشامخ وليس اقتناعًا بالخطأ، فقد يُقبٍّل على رأس المخطأ إليه، لكنه في حقيقة الأمر لا يُقبِّل رأسه بل يعنفها، وقد يقول: أنا غلطان لكن نبرة صوته توحي بأن الخطأ لم يعرف طريقه إليه! لكن ما فعله د. أحمد لطفي فيه الكثير من الشفاء لمشاعر زوجته المجروحة ورد لكرامتها ولا سيما أمام المعارف، فلقد حرص د. أحمد على الاتفاق مع أخت زوجته بأن تأخذها إلى الميدان بحجة شراء بعض الحاجيات لكي يكون لها الفرصة لترى الإعلان وهذا ينم على أن د. أحمد لطفي كان على تواصل مع أهل زوجته ومن خلال ذلك عرف أن يوصل لها رسالة المحبة.

لقد نتج عن هذا الموقف أن الزوجة تنازلت عن الدعاوى القضائية التي كانت بينهم وأتى بهم هذا الموقف إلى مائدة الحوار وفتح الكثير من القنوات التي كانت قد أُغلقت.

لا أجد في ختام هذا المقال سوى أن أُذكِّر القارىء بما قاله الرب: “أن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم” (لو 16: 8).

فكم من معطلات للعبادة والخدمة لسبب مشكلة لم تسوى مع شخص جرحناه حتى ولو بدون قصد! فلهذا كانت لكلمات الرب في الموعظة على الجبل أهميتها والتي من خلالها نفهم تشجيعه لنا على الاعتذار للمخطيء وتسوية الخلافات: “إن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً واصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقم قربانك” ( متى5: 23،24)، فهو هنا لم ينهه عن تقديم قربانه، بل أعطاه فرصة لإصلاج الأمر مع أخيه بالاعتذار ثم بعد ذلك يأتي لكي يُقدم قربانه على المذبح. ليت الرب يتعطف علينا بالشجاعة الأدبية في تقديم الاعتذار العلني للمُساء في حقه، طارحين كل غطرسة وذات، واضعين الرب ومجده نصب عيوننا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top