إدانة الآخرين

pointing, businessman, aggressive-6041089.jpg

إدانة الآخرين: هي خطية من ضمن الخطايا المؤثرة على حياتنا الروحية، وللأسف ربما لا نعتبرها خطية. وفي هذا المقال المختصر سنذكر لماذا لا يحق لنا أن ندين الآخرين؟ وأسباب الإدانة ونتائجها ونختم المقال بإجابة بعض التساؤلات الخاصة بموضوع الإدانة.

توجد أسباب كثيرة، لأجلها لا يليق بنا إدانَة الآخرين:

  1. لأنَّنا لا نملِك السُّلطان الَّذي يحقُّ لنا به أن ندين الآخرين:

فهذا السُّلطان هو حقّ الله وحده، وعندما ندين فنحن نتعدَّى على سلطان الله، حتَّى ولو كان الآخر مخطئًا أو تعتري حياته الضَّعفات.  وهذا ما ذكره الوحي «مَنْ أَنْتَ الَّذي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ» (رو14 : 4) فهذا العبد الَّذي ندينه ليس عبدًا لنا لكنَّه عبد للسَّيد، والسَّيِّد وحده له الحقُّ في أن يدينه لأن السَّيِّد هو مَنْ اشتراه بموته «لأَنَّهُ لِهَذَا مَاتَ الْمَسِيحُ وَقَامَ وَعَاشَ، لِكَيْ يَسُودَ عَلَى الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ» (رو14 :9) ولهذا يعقِّب مرَّة أخرى ويقول: «وَأَمَّا أَنْتَ فَلِمَاذَا تَدِينُ أَخَاكَ؟ أَوْ أَنْتَ أَيْضًا لِمَاذَا تَزْدَرِي بِأَخِيكَ؟ لأَنَّنَا جَمِيعًا سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ» (رو14 :10).

والوقوف أمام كرسيّ المسيح جاء في الوحي المقدَّس بالارتباط بالمكافأة، وبالارتباط بالتَّحذير من إدانَة الآخرينلكنَّنا للأسف ظننَّا أنَّه عندنا من الخبرة ما يؤهِّلنا للحكم في الأمور والأشخاص والتَّصرُّفات، ونسينا أنَّنا بهذا نسلب الله حقَّه. 

وعن هذا عبَّر أحدهم بالقول: ’’يُخجلني ما حقَّقتُه من خبرة في التقاط العيوب، فقد صارت رؤية الأخطاء تسليتي وهوايتي القبيحة‘‘!

  • في الإدانَة كسر لوصايا إلهيَّة:

هناك وصايا صريحة تحذِّر من إدانَة الآخرين، منها ما جاء في موعظة الرَّبِّ على الجبل «وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ» (لو 6 :37).  وفي رسالة يعقوب الَّتي تكلَّمت عن البرِّ العمليّ ورد: «لاَ يَذُمَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ. الَّذي يَذُمُّ أَخَاهُ وَيَدِينُ أَخَاهُ يَذُمُّ النَّاموس وَيَدِينُ النَّاموس» (يع 4 :11).  فليتنا نُعبِّر عن محبتنا للرَّبِّ بحفظ وصاياه، وليست فقط وصاياه الَّتي تدعونا لفعل أمور إيجابيَّة، بل أيضًا وصاياه الَّتي تُحذِّرُنا من أمور سلبيَّة.

  • لأنَّنا لا نعرف الدَّوافع:

«فالسَّرائر للرَّبِّ إلهنا، والمُعلنات لنا» (تث 29 :29).  فالأعمال الظَّاهرة الَّتي ندينها يوجد وراءها دوافع غير مرئيَّة لا نستطيع أن نعرفَها لكنَّها معروفة لدى الله، وأيَّة أحكام نصدرها قابلة للخطإ، إذ أنها تفتقد إلى الدَّلائل المؤكَّدة، وأعتقد أنَّ القارئ يشاركني الرَّأي في أنَّه توجد أمثلة كثيرة في كلمة الله للأحكام الخاطئة نتيجة الحكم على الدَّوافع، وأوضح مثال على ذلك كلام هارون ومريم على موسى في سفر العدد الأصحاح الثَّاني عشر.  هذا الكلام، صدر بدافع الغيرة الجسدية في الإدانَة انشغال بعيوب الآخرين.

  •  في الإدانَة انشغال بعيوب الآخرين:

وبالتَّالي تناسِي العيوب الشخصيَّة.  إن كان هناك شخص أعرف عنه كلّ شيء، فهذا الشَّخص هو أنا «لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاس يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذي فِيهِ؟» (1كو 2 :11) وشبَّه الرَّبُّ انشغالنا بعيوب الآخرين بشخص في عينه خشبة لكنه نظر بانتباه إلى قَذَى في عينَيْ أخيه. أي إنَّ الخطيَّة من النَّوع نفسه (الخطيَّة في العين)، لكن مع الفرق أنَّ حجم الخطيَّة عنده أكبر بكثير من حجمها عند أخيه، وهذا ما فعله المشتكون على المرأة الَّتي أُمسكت وهي تزني.  كانوا غارقين في ذات الخطيَّة الَّتي أدانوا المرأة عليها، وعندما كُشفت أفكارُهم في محضر الرَّبِّ، وبدلاً من أن يتوبوا، خرجوا واحدًا فواحدًا.

إبليس يشغلنا بعيوب ونقائص الآخرين حتَّى لا ندين أنفسنا، فيتمُّ فينا القول: «جَعَلُونِي نَاطُورَةَ الْكُرُومِ. أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ» (نش 1 :6)،  لهذا إن كان هناك شخص يستحقُّ أن أدينه وأحكم عليه فهُوَ أنا.  وهذا ما يسمِّيه الكتاب امتحان النَّفسلكنَّنا للأسف نرى عيوب النَّاس الصَّغَيرة جدًّا ضخمة جدًّا ولا نرى إطلاقًا عيوبنا الكبيرة الواضحة.  وفي هذه الحالة نحن نشبه من ترك ميته وذهب ليبكي ميت جاره!!

  • الإدانَة خطيَّة:

فبالرُّجوع إلى تشبيه القذى والخشبة، يمكن أن نفهم أنَّ الخطيَّة عند أخي تُشبَّه بالقذى في العين، والخشبة في عينِي هي إدانتي له فواضح أنَّ إدانتنا للآخرين خطيَّة أبشع في عينَيِ الرَّبِّ من أخطاء الآخرين ذاتها.

  • في الإدانَة اعتراف ضمنيٌّ بأفضليتنا:

بعدما ندين آخرين لأجل خطايا وقعوا فيها، سيأتي الوقت الَّذي فيه نسقط فيما أدنَّا الآخرين عليه.  وسنتذكَّر ما فعلناه تجاه من أدنَّاهم. وساعتها سنعرف أنَّنا لسنا أفضل منهم.  فلولا عمل نعمة الله فينا، لسقطنا فيما هو أشرّ ممَّا سقطوا هم فيه.

  • مكان الحُكم الصحيح هو كرسيّ المسيح:

وهذا ما أوضحه الرَّسول بولُس لإخوة كورنثوس عندما قال: «إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ حتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ» (1كو 4 :5).  والعبارة الَّتي سبقت هذه الآية تفيد بأنَّ بولُس لم يكن يأبه بأحكام البشر فيه، ولا بما يكتبه التَّاريخ عنه، ولم يكن يأمن حتَّى لأحكامه الشخصيَّة في نفسه، فقال: «فَإِنِّي لَسْتُ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ فِي ذَاتِي. لَكِنَّنِي لَسْتُ بِذَلِكَ مُبَرَّرًا. وَلَكِنَّ الَّذي يَحْكُمُ فِيَّ هُوَ الرَّبُّ» (1كو 4 :4) فلا أحكام الآخرين فينا عادلة، ولا أحكامنا في الآخرين عادلة، ولا أحكامنا حتَّى في أنفسنا عادلة دائمًا، ولكنَّنا ننتظر اليوم الَّذي فيه سيظهر الرَّبُّ الأحكام العادلة ليس فقط في الكلمات بل حتَّى في أراء القلوب والدَّوافع.

نلاحظ أن الإدانة في البداية تكون داخلية أي في الفكر (تنظر)، وبعدها تتطور إلى إدانة كلامية “تقول لأخيك دعني أُخرج القذى من عينك” وفي كل الأحوال هي خطية. والمثال الواضح لخطية الإدانة بالفكر في (لوقا 7) عندما أدان الفريسي شخص الرب نفسه، وأدان المرأة الخاطئة. وكم من المرات التي فيها نقع نحن أيضًا في إدانة الآخرين مع أننا نظهر أمامهم بمحبة، لكننا ندينهم في داخل قلوبنا وأحيانًا أخرى في غيابهم.

(1) أوقات الفراغ: أوصى بولس تيطس من جهة العجائز أن يكن غير ثالبات (غير ماسكات السيرة) (تي 2: 3)، حيث أن الفراغ يقود إلى الكلام الكثير و”كثرة الكلام لا تخلو من معصية”. ونفس الأمر أوصى لأجله بولس في 2تس 3: 10-12 حيث أوصى بالعمل في وقت وجد فيه أناس فضوليون يسلكون بلا ترتيب (أعتقد أن السلوك بلا ترتيب هنا هو مسك السيرة).

(2) الإسقاط: أي عندما لا أقدر على أن أدين الخطية في نفسي أقوم بالبحث عن آخرين يحملون نفس نوع الخطية، حتى وإن كانت بصورة أقل (تشبيه الخشبة والقذى) وأبتدىء في انتقادهم بشدة، والحكم الذي أشفقت على نفسي فيه أُنفذه في الآخرين بكل قسوة وبكل شدة.

(3) الذات: الذات لا تكتفي بأن تكون معبودي أنا فحسب، بل تريد أن تحظى بعبادة الآخرين أيضًا، وإن وُجد في المشهد مَنْ يهددها كمعبود تقوم بإزالته بكل الطرق الممكنة، ومن ضمنها الإدانة حيث تعمل على تشويه صورة هذا الشخص لدى الآخرين حتى تظل هي المعبود الأوحد.

(4) عدم المحبة: هي آفة تجعلنا نظن السوء ونُقبِّح، أي نذكر عيوب الآخرين.

(5) السلبية: المتفرجون هم دائمًا ناقدون، لأن السلبي لا يفعل شيئًا لذلك فهو لا يُخطيء.. أما لو فعل فسيشعر بمدى الصعوبة فيُقدِّر الآخرين، فعلينا بالإيجابية في كل شيء لكي نلتمس الأعذار للآخرين ولا ندينهم في تحركاتهم حتى وإن أخطأوا.

(1) ضعف الحالة الروحية: تتسبب خطية الإدانة في تعطيل الشركة، مما يسلبنا التعزيات والأفراح، وبالتالي لا نجد تعزية حتى في محضر الله.

(2) توتر علاقتنا بالآخرين: فالمحبة تقربنا من بعضنا البعض، أما نقص المحبة فيجعلنا نبتعد عن بعضنا البعض، ومن ثم تبدأ الإدانة.

(3) انتقال العدوى: إدانة الآخرين مرض مُعد فكما أن هناك عدوى روحية مباركة بيننا، كذلك الأمراض الروحية تسبب عدوى فيما بيننا، فإذا رآك أحد المؤمنين تدين آخر ربما يتقوى ضميره الضعيف ونراه هو أيضًا في موقف آخر يدين وبنفس الأسلوب.

(4) الحصاد: “بالكيل الذي تكيلون به يُكال لكم ويزداد”، أي ستحصد من نفس نوع الزرع إذ سينطبق عليك مبدأ الزرع والحصاد، وستحصد في موقف لاحق انتقادًا من الآخرين سواء بحق أو بدون حق.

ونختم المقال ببعض التساؤلات وإجابتها:

   الذي يقوم بالإصلاح شخص له روح الوداعة، ويُكتب عنه في غلاطية 6: 1 “أيها الإخوة إذا انسبق إنسان فأُخذ في زلة ما فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة”، والروحانيون هم الذين سقطوا مرات وقاموا وعالجهم الرب وتعلموا من سقطاتهم، فهؤلاء عندما يذهبون لإصلاح آخر فإنهم يذهبون بروح الوداعة غير متكبرين عالمين خراب الجسد الذي فيهم. ومن هنا ليس الجميع يصلحون لعلاج الأخ المخطيء فهي عملية حساسة جدًا مثل نزع قذى من العين، والعين جزء حساس جدًا فمن الممكن بدلاً من أن نعالج نتسبب في ضرر. فيجب علينا عندما نرى عيبًا في آخر أن نبحث عن مَنْ هو قريب منه ونوصيه بإصلاح الأمر معه، وهذا الشخص عندما يذهب له يذهب وهو مُصلٍ ويقوم بعلاج الأمر دون أن يجرحه. فالله يعطي حكمة مختلفة في كل موقف “حكمة نازلة من فوق”.

بقراءة يعقوب 5: 20 نفهم أن من رد خاطئًا عن ضلال طريقه يخلص نفسًا من الموت ويستر كثرة من الخطايا خلاف أن هناك مسؤلية من الرب لاصلاح أخطاء من أعطانا مسؤلية تجاههم مثل الأب تجاه أولاده والمدير تجاه مرؤسية والقادة في الكنيسة تجاه من يقوموا برعايتهم.

يجب أن تكون النصيحة بتقارب السن بين الذي يُعالج والمخطيء، فمن قراءة 1تي 5: 1 نفهم أن هناك حساسية خاصة من الكبار تجاه انتقادات الصغار لهم حتى ولو مخطئين لأجل هذا قال لا تزجر شيخًا بل عظه كأب لهذا يحبذ أن من نوجههم يكونون في نفس سننا او أصغر سنًا ويكون من يوجه الشيوخ شيوخ مثلهم وإن لم يوجد شيوخ يُقدم التوجيه لهم في صورة وعظية أي تشجيعية .

مجرد استماعك لهذا الشخص هو اشتراك في أعمال الظلمة التي كان يجب أن توبخها، واستماعك له أدى لاستمراره في هذه الخطية دون أية ملامة لضميره؛ لهذا يجب أن تُُشعِر الشخص المتحدِّث معك بعدم قبولك للحديث. فعلى سبيل المثال: بتعبيرات الوجه «ريح الشمال تطرد المطر والوجه المعبس يطرد لسانًا ثالبًا» (أم 25: 23) أو بتغيير مجرى الحديث أو بتنبيه المتكلِّم إلى خطورة الحديث.

من الموقف الذي تكلم فيه مريم وهارون عن موسى ومع ذلك صلى موسى لأجل مريم ليرفع الرب عنها البرص الذي ضُربت به، نتعلَّم أنه يجب أن يكون لنا القلب الكبير لنغفر ولنحتمل الآخرين في ضعفاتهم، ومن جهة أخرى يجب أن نتحلَّى بالشجاعة التي بها نعاتب. وهذا ما تعلمناه من تعليم الرب يسوع «إن أخطا إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما إن سمع منك فقد ربحت أخاك» (مت 18: 15).

عندما ذكر الكتاب ذلك في أصحاح المحبة يقصد تصدق كل شيء جميل في الأخرين لهذا عقب بالقول وترجوا كل شيء أن تتوقع كل سيء جميل في الأخرين لكن لا يفهم منها أن نصدق كل ما نسمعه لأن  ذات الكلمة جاء فيها في سفر الأمثال “الغبي يصدق كل كلمة” (أم 14: 15) وذات الكلمة تدعونا  لعدم التسرُّع في الحكم لمجرد السمع بل يجب التروّي والتأكد حتى تتضح الأمور ويكون الحكم صحيحًا «وأخبرت وسمعت وفحصت جيدًا» (تث17: 4).

في ختام هذا المقال ليتنا نحترس من هذا الداء المدمر في بيت الله وبدلًا من نكون معوال بناء نكون معوال هدم وبدلًا من أن نتشفع بمشاعر الرب لأجل الأخرين حتى وهم ضعفاء مثلما عمل موسى وعمل دانيال ونحميا وعزرا نكون بنشتكي  أخوتنا سواء لأخرين أو حتى أمام الرب ونحن نصلى مثلما فعل إيليا عندما لم يتشفع كموسى لأجلهم أمام الرب بل كما قال عنه الكتاب كان يشتكيهم معددًا أخطاؤهم  ومعروف أن المشتكي هو الشيطان فكأننا بالشكاية على الأخرين نعمل مع الشيطان المشتكي وليتا نحترس من أن ندين بعضنا البعض بالكلام فنستحق التحذير الذي قاله بولس للغلاطيين : “إذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا فأنظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضًا” (غل5: 15).

أنور داود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top