أصفار الثانوية العامة

العام الماضي أثارت قضية الطالبة الشهيرة بطالبة صفر بالثانوية العامة ردود أفعال كثيرة في كافة الأوساط، وأخذت مساحة من الرأي العام وحوارات الفضائيات على كافة المستويات ليس فقط لسبب واقعة الظلم البين.  فالظلم فيها واضح وضوح الشمس للمفكر والعامي، بل أيضًا لسبب محاولات التستر من المسئولين وأصحاب القرار وهذا أصعب في تأثيره من واقعة الظلم ذاتها، حيث تبرهن لنا أكثر أننا في عالم شرير قراراته متخبطه مزاجية يغلب عليها طابع المصلحة والاعتبارات الخاصة.

وهذا العام حدث ما فاق كل التوقعات من تسريب للامتحانات ونماذج الإجابات أيضًا!!  في واقعة غير مسبوقة ومن اعتراف الجهات المسؤلة بالوقائع قامت بإلغاء أكثر من مادة لتعاد في تاريخ لاحق ورغم تشخيص البعض أن ما أخذ صفر في الثانوية العامة هذا العام  وزير التعليم أو الوزارة كلها، لكنني أرى أن ما أخذ صفرًا في هذا العام هو المجتمع كله، الذي تبرهن طابع الفساد المتفشي فيه والذي دب في أركانه، للدرجة التي فيها أحل الناس لأنفسهم السرقة في شهر التدين والمفترض فيه ضميريًا أن يكون السلوك مختلفًا وعن موضوع الظلم والسرقة لنا هذا المقال، فعن الظلم ما من شخص من القراء الأعزاء إلاّ واختبر الظلم بصورة أو بأخرى وعن السرقة نرى بأعيننا صور السرقة الكثيرة، حتى ولو كانت بطريقة غير مباشرة، لكن لا نستطيع أن نسمها إلا سرقة  كحالة الغش التي حدثت هذا العام وسنفرد الكلام عن الظلم في عدة نقاط:

  1. الظلم وتعريفه

في أحد المعاجم يأتي تعريف الظلم بأنه

لَحِقَهُ ظُلْمٌ : جَوْرٌ ، اِنْتِهاكُ حَقِّ الآخَرِ عُدْواناً ، عَدَمُ الإِنْصافِ ظُلْماً وَعُدْواناً

وما أكثر ما يتعرض له الإنسان من ظلم عندما لا يأخذ حقوقه المادية أو الأدبية ويكون هذا لا من منطلق مبالغته لنفسه وحقوقه، بل من منطلق تقييم الآخرين، الذين ليس لهم مصلحة في القضية.

2. الظلم وتأثيره:

عن تأثير الظلم المدمر نقرأ عن يوسف الذي اتهمته زوجة فوطيفار في قضية مخلة بالشرف وأصبح البريء مُدانًا والمُدان بريئًا وزج به في السجن لسنوات طويلة وكم تألم نفسيًا جراء ذلك وما ذكره الكتاب يوضح نفسه “آذوا بالقيد رجليه في الحديد دخلت نفسه” (مز  105 :  18)، وربما ما شاهدناه من التأثير المُدمر على صحة مريم طالبة الثانوية العامة يؤكد ذلك، وحري بالمظلوم أن يضبط ردود أفعاله، فلو تفاعل الإنسان مع الظلم حتى ولو كان حكيمًا ستخرج منه ردود أفعال غير حكيمة بل قد تصل به إلى الحماقة ” لأن الظلم يحمق الحكيم…”  (جامعة  7 :  7).

3. الظلم وانتشاره:

لأننا في عالم وضع في الشرير ويحكمه إبليس رئيس هذا الدهر، فكل ما فيه مبنى على الظلم، حتى المال الموجود فيه سُمّي مال الظلم (لو16: 11)، لسبب  عدم العدالة في توزيعه، فقد يحصل عليه مَنْ لا يستحق وقد يُحرم منه مَنْ يستحقه، وأحكام التاريخ سميت في كلمة الله بيوم بشر (1كو4: 3) وطالما نحن في يوم حكم البشر، نعترف بأنه كم ظلم التاريخ أشخاصًا كانوا ذا شأن في الحياة.

  • المظلوم الحقيقي: عندما عاش الرب على الأرض 33 سنة وبضعة شهور، عاشها حياة كاملة، لكن مع ذلك تعرض لظلم وافتراءات الناس، فكم احتوت مشاهد محاكمته على الكثير من التهم الظالمة (سبع تهم ظالمة)، نذكر منها واحدة حينما ادعوا أنه منع أن تُعطى جزية لقيصر (لوقا23: 2) مع أن ما قال كان هو العكس “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله فلله” (مر12: 7 ) وفي اقتراءاتهم عليه لم يرد بل كانت ساكتًا، حتى تعجب بيلاطس “ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح و كنعجة صامتة أما جازيها فلم يفتح فاه” (إش  53 :  7)، كل هذا لأنه كان يسلم لمن يقضي بعدل (1بط  2 :  23)، طبعًا لا أقصد من كلامي هذا أن لا ندافع عن أنفسنا ولا نطالب بحقوقنا، بل إذا فشلت كل المحاولات، حينئذ ننتظر ذراع الرب التي لا تفشل وهي قادرة على رد الحقوق أو جعل الشر يعمل للخير (رومية 8: 28) وجعل الأكل يُخرج أكلاً والجافي حلاوة ( قضاة14: 14).
  • الظلم وحصاده: سيكون حصاد الظلم هنا على الأرض من نفس نوع الزرع، فالظالمون  سيُظلمون، وأصعب قضاء للظالمين هو أنهم لا يرثون ملكوت الله “أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله لا تضلوا لا زناة و لا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون و لا مضاجعو ذكور” (1كورنثوس  6 :
  •   4. الظلم ونهايته:

لن ينتهي الظلم إلا بسيادة الرب، فستتحقق الطلبة “كما في السماء كذلك على الأرض”، فهو يحكم بالعدل حتى في محاسبتنا قدامه لن نظلم، بل يقول عن هذا كاتب رسالة العبرانيين بالوحي: “لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم و تعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم” (عب  6 :  10).

  • موقفنا من الظلم: عند الظلم لا ننزعج، فالله له الكلمة الأخيرة وهو على العرش يدير ويستطيع أن يرد للمظلوم حقه، فإن كان القوى استقوى على الضعيف، لكن يوجد من هو أقوى منه  “إن رأيت ظلم الفقير و نزع الحق و العدل في البلاد فلا ترتع من الأمر لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما” (جامعة  5 :  8).

وعلينا بالصلاة والصراخ للرب، فلعل مثل الأرملة وقاضي الظلم نتعلم منه هذا، فرغم أنها أرملة تمثل الضعف، لكن لسوء حظها كانت قضيتها مطروحة أمام قاضي ظلم لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، لكن لجاجتها غلبت هذا القاضي ويعلق الرب على المثل بالقول: “أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين اليه نهارًا و ليلاً وهو متمهل عليهم؟أقول لكم إنه ينصفهم سريعًأ” (لو  18 :  7- 8).

 وفي الختام الحديث عن الظلم قد يتساءل البعض: لماذا الظلم والدموع؟ ألا يقدر الرب أن يمنع الظلم؟ كلا عزيزي، إن الله لا يمنع الشر بل – كا سبق وذكرنا – يقدر أن يمارس سلطانه ويحوله لخير أولاده.

أما عن السرقة فالوصية في العهد القديم والتي جاءت في اللوح الثاني ضمن  الوصايا العشر التي تحكم العلاقة مع الآخرين: “لا تسرق” أي لا تأخذ حقًا ليس لك والسرقة بهذا المفهوم لا يختلف عليها اثنان في تعريفها وتوصيفها، لكن لأننا نعيش في مجتمع دب فيه الفساد ورغم صورالتدين الكثيرة التي اصطبغ بها المجتمع ، إلا أنه من الواضح أنها صور مزيفة لا تنم عن علاقة حقيقة مع الله، فالعلاقة الصحيحة مع الله تصحح وتقوم العلاقات مع الآخرين ومنها مراعاة الحقوق والواجبات ونتيجة هذا الزيف الذي نعيشه، تجد من يقول لك: “يا عم هو الحلال نافع لما الحرام ينفع؟!” وتجد بعد أن يقول لك هذا يواصل السرقة!!  فالأمر ليس قناعات أو معرفة فالمعرفة موجودة وقد نعظ بها غيرنا ولكن الأمر عيشة صحيحة تتوافق مع المعرفة الصحيحة.

والعجيب أن المجتمع معجون بأوجه كثيرة للسرقة وقد لا يشخصها البعض بأنها سرقة مثل:

الذي لا يعطي العمل وقته المتفق عليه ويتحايل على قوانين العمل، أليس هذا يُعتبر سرقة ولو بطريقة غير مباشرة؟!

عندما لا تراعي حتى الدور في طابور الانتظار الذي تقف فيه، فأنت تأخذ حق غيرك!

عندما تستفاد من المحسوبية والوسطة وتستغل وجود معرفة في مكان ما لتحصل على حق ليس لك، أليس هذا يُعتبر سرقة؟!

عندما تقدم رشوة لتسهل الحصول على شيء ما لو الأمر أخذت مجراها لم تكن ستحصل عليه، أليس هو نوع من السرقة؟!

أعتقد يعوزني الوقت وتعوزني المساحة حتى ولو كل صفحات هذه الجريدة لنسطر معًا غرق مجتمعًنا في السرقة بصور كثيرة وبطريقة لا تخطر على البال، فالإنسان ما زال يتفنن ويبتكر طرق الاعوجاج والتحايل والاستغلال.

لكن دعونا نختم بما سبق وأشرنا إليه، فلو رجع الإنسان إلى الرب رجوعًا حقيقيًا، تجد ذات اليد التي تسرق تحول مسارها عن السرقة لا بالقطع بل بالعطاء “لا يسرق السارق فيما بعد بل يتعب عاملاً الصالح بيديه ليكون له أن يعطي من له احتياج” (أف4:   38).

تجد أن الإنسان يكف عن الصراع مع أخيه، لكي يأخذ ما ليس حقًا له، بل لكي يعطي له ما يسدد احتياجه.  حقًا أن الإيمان لا يزين آخرة الإنسان، بل حاضره وسلوكه وبيته وعمله وعلاقاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top