أحفاد و أجداد

grandparents, grandson, family-8577394.jpg

كان لهذه المشكلة، في الزمن الماضي، وقعها الكبير حيث كانت الأسرة الواحدة غالبًا ما تتكون من آباء وأبناء وأجداد يجمعهم سقف بيت واحد، أما الآن مع التوسع العمراني وتفرق الأبناء للعمل أصبح الآباء ينفردون بمساكن تخصهم وحدهم دون الأجداد مما أدى إلى تقليص دور الأجداد في تربية الأحفاد، وبمرور السنين أصبح لدى الكثيرين عدم الرغبة في تدخل آبائهم وأمهاتهم في تربية الأولاد.

ومع ذلك، حتى في هذه الحالة، الأولاد يحبون الأجداد ويريدون البقاء أكبر وقت ممكن معهم للأسباب التالية:

  1. لأنهم يجدون الحرية في بيت أجدادهم حيث تقل الضوابط والقوانين الموضوعة لهم في بيوتهم.
  2. إن أهميته كبيرة في العلاقة بين الأجداد والصغار، حيث تتوفر لهم الأكلات التقليدية التي يفتقدونها في أي مكان آخر بخلاف بيت العائلة، وهذه اللمسة تجعل الصغير مرتبطًا ببيت الأجداد ويسعد بالذهاب إليه.
  3. يتلاقون مع بقية الأقران من أبناء خال أو خالة أو عم أو عمة.
  4. لأنهم يأخذون منهم الحب والرعاية والحنان والتدليل والمعرفة، ويسعدون بقصصهم التراثية وحكاياتهم، في مقابل شدة وعنف الآباء الذين يعانون من الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية، بعكس الأجداد الذين زالت عنهم هذه الضغوط، ولذا فهم يتصرفون بهدوء وروية أكثر من الآباء، وقد يصل هذا الهدوء إلى حد التدليل الزائد وعدم مصارحة الأبوين بما يفعل الأحفاد من أخطاء، ولكن بعض الآباء والأمهات يرفضون هذا الدور من الأجداد والجدات بحجة إفساد الأبناء بالتدخل السلبي في طريقة تربيتهم لأبنائهم.
  5. الأجداد يعطون الأحفاد وقتًا.  إن الأجداد لديهم قدرة أكبر على التحمل والصبر، كما أن لديهم خبرة أكبر، وبالتالي يكونون أقل تشددًا مع الأطفال، كما أن لديهم أيضًا وقت فراغ أطول.
    أما الآباء فيعانون من ضيق الوقت والضغوط اليومية فهما لا يعبران عن حبهما لأطفالهما إلا بشكل سريع وعاجل، فالضغوط التي يتعرض لها الإنسان قد تؤثر سلبًا على قدرته في التعبير عن حبه.  بمعنى آخر، الأجداد لديهم قدرة أكبر على إعطاء أحفادهم وقتًا قيمًا.

الأجداد أيضًا يحبون أحفادهم ويتعلقون بهم وما يقومون به من تدليل يرجع إلى حبهم الشديد لهم كما يقول المثل الشعبي ’’ما أعز من الولد إلا ولد الولد‘‘. لهذا لا نستغرب عندما يتخلَّى الجد عن وقاره ويلعب ويلهو مع الطفل كما لو كان هو الآخر طفلاً.

ناهيك عن أن الجد يشعر أن الحفيد هو امتداد طبيعي له ويشعر من خلاله بالشبع النفسي والعاطفي لهذا من الممكن – في حالة السماح النفسي- الاستفادة من الأجداد لتحقيق بعض الأغراض، فمن منظور الجد أنه ربَّى ابنه حتى رضي عن نفسه وفجأة وجده يستقل بذاته، وبالتالي فإنه يجد متعته في تربية أبناء الأبناء. كما أنه يصعب عليه أن يكون ذا سلطة في موقعه وينتهي به الأمر إلى أن يفقد هذه السلطة فجأة، وهذا المحور النفسي هو القضية الأساسية لدى المسنين، فإذا كان التقاعد الوظيفي مدعاة للاضطرابات النفسية، فإن التقاعد الأسري يؤدي إلى النتيجة نفسها تقريبًا؛ لهذا فإن الأجداد يشعرون بسعادة في وجود الأحفاد معهم، لأنهم يقتلون عزلتهم ويشعرونهم بأهميتهم.

  1. إن الجدة تعتقد دائمًا أنها لا زالت تؤدي دور الأم مع أحفادها، ولا تتقبل بسهولة دور الجدة، حيث أنه مرتبط لديها بكبر العمر وانتهاء الدور الرئيسي لها كامرأة، لذا يحدث الكثير من الخلط في الأدوار، فنرى العديد من الجدات كل منهن ترى نفسها أمًا ثانية وهذا يسبب الصراعات خصوصًا مع زوجة الابن.
  2.  الكثير من الأجداد ينظرون إلى الطريقة التي تُربِّي بها زوجة الابن بشيء من الاستنكار، وهذا خطأ ويحدث الكثير من الشقاق في الأسرة، مؤكدًا على أن الأجداد ليس عليهم إعادة التربية أو فرض رؤيتهم، لكن دَورهم هو الإضافة، وتلقين الأجيال الجديدة قواعد الحياة من منطلق الخبرة والحب والخوف عليهم، ولكن من دون أوامر أو نزاعات.
  3. كسر القواعد: أطفالنا يعنون لنا كآباء وأمهات كل شيء في الوجود، ونحن نحاول أن نحميهم أحيانًا حتى من آبائنا وأمهاتنا نحن، فعلى سبيل المثال نحن لا نريد لأطفالنا أن يشربوا المشروبات الغازية، أو أن يتناولوا الكثير من الحلويات، أو أن يتلقوا هدايا أكثر من اللازم. المشكلة الكبرى هي كيف نستطيع نحن كأمهات وآباء أن نسيطر على تصرفات الأجداد دون إثارة مشاكل؟!
  1. تهميش الزوجة لأهل زوجها في تربية الأحفاد: من الملاحظ أن تهميش دور الأجداد أكثر ما يكون في الآباء والأمهات من ناحية الزوج.  فكثير من الزوجات نراها تأخذ أبناءها إلى أهلها ووالديها باستمرار مع تقبل توجيهات ونصائح الوالدين في تربية الأبناء بينما في المقابل نراها ترفض مثل هذا الدور مع أهل زوجها وهم أجداد الأبناء في نفس الوقت.

وتحاول أن تبعدهم عن أجدادهم لأبيهم ولا تسمح لأبنائها الذهاب بمفردهم إلى بيت الأجداد، وإن كان فلا بد أن تكون معهم، وهنا أحاول أن أبين خطورة مثل تلك التصرفات غير العقلانية في التفريق الدائم بين أهل الزوجة وأهل الزوج.

فيا أخواتي العزيزات … لا داعي للتفرقة بين البيتين وإن كان هناك نوع من العلاقات الباردة بين الزوجة وأهل زوجها فمن المفترض أنها لا تقحم أبناءها معها وأن تكون على علم تام أنه ليس من حقها أن تمنع أبناءها من حرية التعامل الكامل مع الأجداد.

وقد تحتج الكثيرات أن عقلية الأجداد تختلف عن عصرنا هذا وأنها تخاف على أبنائها من التأثر بأفكار تعتبرها رجعية، دون أن تدرك الزوجة أن زوجها الذي اختارته من بين كل الرجال قد ربَّته هذه الأسرة التي ترفض نصيحتها في تربية أبنائها.

  • رفض الآباء التنازل عن السلطة في التربية: إن بعض الآباء والأمهات يرفضون منح سلطاتهم ومسؤولياتهم لأحد مهما كان، بالنسبة للزوج والزوجة مشكلتهما أنهما يريان أن ذلك تدخل في صلاحيتهما مما يعني:
  • عجزهما.
  • استمرار الولاية عليهما من قِبل الكبار.
  • الحاجة إلى دعم خارجي.

وقد تكون بالفعل هذه الأمور بعضها موجود، لكنه لا يريد أن يذكِّره أحد بها، وتدخل الأب والأم سواء من ناحية الزوج أو الزوجة يذكِّره بذلك، وهذا أمر مرفوض نفسيًا، لذلك حين يقال للزوج أو الزوجة: أرسل الولد إلى الجد أو الجدة أو العكس فإنه يرفض، أما بالنسبة للأبناء فإننا نعتقد أنهم لا يفهمون هذه الصراعات لكنهم يفهمون أكثر منا لأنها تتعلق بهم ويستثمرون هذه الصراعات لصالحهم باللجوء إلى المصدر الذي ينافس الآخر في الاهتمام بهم، فيزيدون من إشعال النار دون قصد لكنهم يتعاملون مع المحيط الاجتماعي بما يشبع رغباتهم.
ومن الضروري أن يفهم الأبناء (الزوج والزوجة) أن هذه العلاقة تشبه ثلاث رؤوس: فإن تفاهموا سارت الأمور بشكل جيد، أما إن اختلفوا فسيلتف كل منهم حول ذاته، ليقويها كحالة من الدفاع عن النفس.
إننا إذا أردنا أن تسير الأمور حسنًا فعلينا أن نراعي الأمور التالية:

 الأمر الأول: يبدأ كل منا بنفسه أولاً ولا يطلب ما يفعله الآخرون، فلا أقول إن الأب عليه أن يفعل كذا أو الأم عليها أن تفعل كذا أو الزوجة عليها أن تفعل كذا، بل أبدأ أنا بفعل ما هو مطلوب مني أولاً.

الأمر الثاني: أن أفهم كل سلوكيات الآخر من منظور إيجابي ولا أُؤول الأمور تأويلاً سلبيًا.

الأمر الثالث: هو تبادل الأدوار، وذلك بأن أضع نفسي مكان أبي أو أمي لأفهم ظروفهما.

الأمر الرابع: السلوك الإيجابي؛ أي أن يضع الإنسان في ذهنه أن أبويه لهما حق عليه، ولا بد أن يجلس معهما ويناقشهما ويخصص لهما الوقت الكافي.

الأمر الخامس: احترام الكبير وأن تُشِعر مَنْ أمامك أن لكل إنسان قدره وقيمته، وأن احترام السن واجب وبالتالي تنتقل هذه السلوكيات للأحفاد.

  1. إن الجد والجدة ليس عليهما مسؤولية تربية حفيدهما، اختيار مدرسته، أو الإنفاق عليه، بل يقتصر دور الجد والجدة على احتضان الأحفاد، وسرد القصص الكتابية.
  2.  معالجة الأمور مع الأبناء سواء بالمدح أو التوبيخ أو العقاب بعيدًا عن الأجداد.
  3.  قرب الأحفاد من الأجداد أمر طبيعي، ومن المفروض ألا يغضب الآباء، وكم هو مهم وجودهم في حياة أطفالنا، لأننا إذا اقتنعنا بهذا، نستطيع تقبل فكرة التنازل بعض الشيء عن القواعد الأسرية الخاصة بنا أثناء زيارات الأجداد.
  4. في حال حدوث تعارض بين الآباء والأجداد حول تربية الأحفاد لا يجوز أن يكون النقاش أمام الأحفاد، ويجب أن يتم التفاهم مع الأجداد في جو من الود، وأن ذلك في مصلحة الأحفاد والاتفاق على صيغة ثابتة حتى لا يتشتت الأحفاد.
  5. لا بد أن تحاول الأم الاستفادة من الجدة أو الجد الموجود في البيت في رعاية الأطفال، لأنهما أكثر حرصًا عليهم من الغرباء (جليس الأطفال أو الحضانات)، وسوف يتعلَّمون منهم الحقائق الإيمانية. مَنْ منا ينسى دور جدة تيموثاوس ليس فقط مع أمه بل معه «إذ أتذكَّر الإيمان العديم الرياء الذي فيك، الذي سكن أولاً في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي، ولكني مُوقنٌ أنه فيك أيضًا» (2تي 5:1).  وهذا أيضًا ما أوصى به الرب في العهد القديم «وإنما احترز واحفظ نفسك جدًا لئلا تنسى الأمور التي أبصرت عيناك، ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك. وعلِّمها أولادك وأولاد أولادك» (تث 9:4).
  6. الصدق مع الأجداد: إنه من الأفضل أن نوضح بصدق للأجداد القواعد والحدود الخاصة بكم كأسرة.  على سبيل المثال، نوضح لهما نوعية اللعب التي نفضل شراءها لأطفالنا، وعددها، وغير ذلك من التفاصيل.  من الأفضل أن يتفق الجيلان سويًا – جيل الآباء وجيل الأجداد – على أفضل الاختيارات بالنسبة للطفل.  قد يكون من الصعب أن توضح الزوجة لحماتها أو حماها مثل هذه الأمور، لكن رغم ذلك عليها مناقشة تلك الأمور معهما ومع والديها مسبقًا لتجنب أي مشاكل أو مصادمات في المستقبل.
  7.  التعايش مع وجود اختلاف في الرأي: إذا استمر الأجداد في تدليل طفلك بطريقة لا تعجبك بعد أن وضحت لهم القواعد والحدود الخاصة بكما كأسرة، حاولي التعايش مع ذلك.  فإن الأطفال سيعرفون الفرق بين بيتهم وبيت الأجداد؛ لأن الأطفال بالذكاء الكافي الذي يمكنهم من فهم الفرق بين نظام بيتهم ونظام بيت الأجداد، فلا بأس من وجود هذين العالمين في حياتهم.  إن الشيء غير المقبول حقًا هو أن يقع الأطفال في هوة خلافات بين الآباء والأجداد، ونحن كآباء يجب أن نكون من الحكمة التي تجعلنا حذرين تجاه هذه الموضوعات الحساسة.  إذا فعل الأجداد شيئًا لا يرضيك مع طفلك، لا تناقشي الأمر مع طفلك وتخلقي له مشكلة يضطر للبحث لها عن حل، لكن ببساطة استمري في وضع القواعد والحدود الخاصة بعشكم الصغير. فإن الأطفال في النهاية سيقتدون بآبائهم وأمهاتهم أكثر من غيرهم وسيتبعون قواعد التربية التي وضعوها لهم بغض النظر عن تدليل الأجداد.
  8.  التواصل والتنازل: نعطى مثالاً لكيفية التعامل مع المواقف الحرجة. إذا كنت على سبيل المثال تريدين من طفلك أن يقوم بعمل واجباته المدرسية بينما يرغب الجد والجدة في أن يذهب إليهما، قولي لهما بهدوء إنه لا مانع لديك من أن يذهب طفلك، لكن وضحي لهما أن عليه واجبات مدرسية يجب أن يقوم بها، واعرفي إن كانا على استعداد لمساعدته في الانتهاء من هذه الواجبات. بهذه الطريقة تكونين قد وضحت للجد والجدة أنه ليس لديك مانع في أن يذهب طفلك لهما وفي نفس الوقت تكونين قد تركت لهما الاختيار بعد إعطائهما صورة عن المطلوب من طفلك القيام به أثناء هذه الزيارة. فالصواب هو الاحتفاظ بالهدوء عند التعامل مع مثل هذه المواقف.

***

أخيرًا لنعلم أنها مرحلة مؤقتة فيجب علينا ألا نسيء فيها التصرفات فلن يرجع الماضي لنصلح التصرفات التي نندم عليها وما يقوم به الأجداد حتى التصرفات التي بحسب ظننا أنها خاطئة دافعها الحب الخالص الذي لمسناه منهم طيلة تربيتهم لنا فليتنا لا ننسى هذه الحقيقة.

أنور داود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top